فصل: من لطائف القشيري في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (11)}
ثَبَّتْنَاكم على النعت الذي أردناكم، وأقمناكم في الشواهد التي اخترنا لكم؛ فمِنْ قبيح صورته خَلْقًا ومن مليح، ومن سقيم حالته خُلُقًا، ومن صحيح. ثم إنا نعرفكم سابِق آيادينا إلى أبيكم، ثم لاحِقَ خلافه بما بقي عِرْقٌ منه فيكم، ثم ما علمنا به من مكان يحسدكم ويعاديكم. اهـ.

.من فوائد محمود غريب في الآية الكريمة:

التكرار في القرآن:
قال لي ما سبب التكرار في القرآن؟
قلت له: هل يمكن أن تصور الجامع صورة واحدة تظهر كل جوانبه قال لا... لابد من عدة لقطات من جوانب مختلفة. قلت: هذا سر التكرار في القرآن. حتى قول الله تعالى في سورة الرحمن {فبأي آلا ربكما تكذبان} وهي أكثر آية تكررت في سورة واحدة... فان كل مرة تذكر فيها تشير إلى أمر يغاير ماسبقت له في المرة السابقة فهي بعد كل مقطع قرآني في السورة تذّكر بالنعمة التي أشار لها المقطع والقارئ الفاهم للقرآن لا يصعب عليه إدراك ذلك.. أما التكرار في القصة فيمكنك- قارئي الكريم- أن تدرك سره لو أحضرت مصحفا وقرأت الآيات التي أشير إليها حتى لا يطول المقال بكتابة الآيات.
والقصة التي اخترتها لك قصة الناقة، وقد ذكرت في السور الآتية- الأعراف. هود. الإسراء. الشعراء. القمر. الشمس. ثم ذكرت في النمل والحجر وفصلت والحاقة إشارة لا تصريحا.
وألان مع الآيات.
سورة الأعراف-73- إلى- 79- والدراس للآيات يراها تكلمت عن النقاط الآتية:
أولا: ذكرت أن الناقة هي ناقة الله نسبها الله إليه تعظيما لها.
ثانيا: ذكرت الجانب الحضاري في عهد ثمود قال تعالى: {وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون من الجبال بيوتا}.
ثالثا: ذكرت الحوار الذي دار بين المستكبرين والمستضعفين من قوم صالح واستهانة المستكبرين بالمعجزة ثم عقرهم الناقة.
ثم تأتي صورة هود آية-61- إلى-68- فتضيف جانبا جديد من الأخبار:
أولا: حوار القوم مع صالح عليه السلام ورده عليهم.
ثانيا: تحدد المدة التي عاشها القوم بعد عقر الناقة بثلاثة أيام ثم أخذتهم الصيحة.
ثالثا: بينت أن الله نجى صالحا والذين آمنوا معه {لما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين امنوا معه برحمة منا}.
وكل هذه الأخبار جديدة لم تذكر في سورة الأعراف.
ثمّ تأتي سورة الحجر آية- 80-إلى 84 وتذكر المكان الذي دارت عليه حوادث القصة...أن اسم المكان الحجر بكسر الحاء... وهو مكان بين الحجاز والشام وتسمى مدائن صالح.
وفي سورة الشعراء تبرز ملامح جديدة في الآيات- 141- إلى- 159:
أولا:- تبين أن صالحا لم يطلب أجرا على دعوته {وما أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على رب العالمين}.
ثانيا:- تخبرنا عن الجانب الزراعي في بلادهم {في جنات وعيون وزروع ونخل طلعها هضيم}.
ثالثا:- تبين أن القوم هم الذين طلبوا معجزة من النبي صالح {فات بآية إن كنت من الصادقين قال هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم}- 155.
رابعا:- تظهر ندم القوم بعد عقر الناقة {فعقروها فأصبحوا نادمين فأخذهم العذاب} ومعلوم أنه ندم مشاهدة العذاب... وليس ندم التوبة.
سورة النمل من الآية- 45- إلى- 53:
تحدثنا السورة عن مؤامرة لزعماء القوم أرادوا قتل صالح عليه السلام وأهله ولكنّ الله تعالى أبطل مكرهم وعذبهم. {وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثمّ نقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون}.
وفي سورة فصلت والذاريات والحاقة لمحات سريعة كالتذكرة والعبرة.
ثمّ تأتي سورة القمر آية- 23- إلى-32:
فتذكر لنا أن القوم جميعا قد اشتركوا في عقر الناقة وذلك لأنهم ذهبوا إلى صاحبهم لعقرها. {فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر فكيف كان عذابي ونذر}- 30- كما تذكر للمرة الأولى أن الذي عقر الناقة قد شرب الخمر قبل أن يرتكب جريمته لأن الخمر تهّون الجرائم {فتعاطى فعقر} أي تعاطى الخمر.
وتأتي سورة الشمس آية- 11- إلى نهاية السورة.
وهنا تظهر الملامح الأخيرة وتتلخص في نقطتين:
الأولى:- أن الرجل الذي عقر الناقة هو أشقى القوم {إذ انبعث أشقاها}.
الثانية:- أن القوم قد أهلكوا بذنوبهم لم يظلمهم الله تعالى: {فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها ولا يخاف عقباها}.
وبعد:
هذه لمحة سريعة أتقدم بها بين يديك أيها القارئ الكريم حول هذا الموضوع العظيم تاركا لك الإجابة على هذا السؤال: هل في القرآن تكرار؟!
وأظنه قد وضح ذلك أن مجموع آيات القرآن قي الموضوع الواحد تعطي صورة كاملة عن الموضوع.
أقول ذلك: حتى لا نخطي فهم القرآن. اهـ.

.تفسير الآية رقم (12):

قوله تعالى: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان مخالف الملك في محل العقاب، تشوف السامع إلى خبره فأجيب بقوله: {قال} أي لإبليس إنكارًا عليه توبيخًا له استخراجًا لكفره الذي كان يخفيه بما يبدي من جوابه ليعلم الخلق سبب طرده {ما منعك} ولما كانت هذه العبارة قد صرحت بعدم سجوده، فكان المعنى لا يلبس بإدخال لا في قوله: {ألا تسجد} أتى بها لتفيد التأكيد بالدلالة على اللوم على الامتناع من الفعل والإقدام على الترك، فيكون كأنه قيل: ما منعك من السجود وحملك على تركه {إذ} أي حين {أمرتك} أي حين حضر الوقت الذي يكون فيه أداء المأمور به {قال} أي إبليس ناسبًا ربه سبحانه إلى الجور أو عدم العلم بالحق {أنا خير منه} أي فلا يليق لي السجود لمن هو دوني ولا أمري بذلك لأنه مناف للحكمة؛ ثم بين وجه الخيرية التي تصورها بسوء فهمه أو بما قاده إليه سوء طبعه بقوله: {خلقتني من نار} أي فهي أغلب أجزائي وهي مشرفة مضيئة عالية غالبة {وخلقته من طين} أي هو أغلب أجزائه وهو كدر مظلم سافل مغلوب، وقد غلط غلطًا فاحشًا فإن الإيجاد خير من الإعدام بلا نزاع، والنار سبب الإعدام والمحق لما خالطته، والطين سبب النماء والتربية لما خالطه، هذا لو كان الأمر في الفضل باعتبار العناصر والمبادئ وليس كذلك، بل هو باعتبار الغايات. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

في الآية مسائل:
المسألة الأولى:
اعلم أن هذه الآية تدل على أنه تعالى لما أمر الملائكة بالسجود فإن ذلك الأمر قد تناول إبليس، وظاهر هذا يدل على أن إبليس كان من الملائكة، إلا أن الدلائل التي ذكرناها تدل على أن الأمر ليس كذلك وأما الاستثناء فقد أجبنا عنه في سورة البقرة.
المسألة الثانية:
ظاهر الآية يقتضي أنه تعالى، طلب من إبليس ما منعه من ترك السجود، وليس الأمر كذلك.
فإن المقصود طلب ما منعه من السجود، ولهذا الإشكال حصل في الآية قولان:
القول الأول: وهو المشهور أن كلمة لا صلة زائدة، والتقدير: ما منعك أن تسجد؟ وله نظائر في القرآن كقوله: {لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ القيامة} [القيامة: 1] معناه: أقسم.
وقوله: {وَحَرَامٌ على قَرْيَةٍ أهلكناها أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ} [الأنبياء: 95] أي يرجعون.
وقوله: {لّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الكتاب} [الحديد: 29] أي ليعلم أهل الكتاب.
وهذا قول الكسائي، والفراء، والزجاج، والأكثرين.
والقول الثاني: أن كلمة {لا} هاهنا مفيدة وليست لغوًا وهذا هو الصحيح، لأن الحكم بأن كلمة من كتاب الله لغو لا فائدة فيها مشكل صعب، وعلى هذا القول ففي تأويل الآية وجهان: الأول: أن يكون التقدير: أي شيء منعك عن ترك السجود؟ أو يكون هذا الاستفهام على سبيل الإنكار ومعناه: أنه ما منعك عن ترك السجود؟ كقول القائل لمن ضربه ظلمًا: ما الذي منعك من ضربي، أدينك، أم عقلك، أم حياؤك؟ والمعنى: أنه لم يوجد أحد هذه الأمور، وما امتنعت من ضربي.
الثاني: قال القاضي: ذكر الله المنع وأراد الداعي فكأنه قال: ما دعاك إلى أن لا تسجد؟ لأن مخالفة أمر الله تعالى حالة عظيمة يتعجب منها ويسأل عن الداعي إليها.
المسألة الثالثة:
احتج العلماء بهذه الآية على أن صيغة الأمر تفيد الوجوب، فقالوا: إنه تعالى ذم إبليس بهذه الآية على ترك ما أمر به ولو لم يفد الأمر الوجوب لما كان مجرد ترك المأمور به موجبًا للذم.
فإن قالوا: هب أن هذه الآية تدل على أن ذلك الأمر كان يفيد الوجوب، فلعل تلك الصيغة في ذلك الأمر كانت تفيد الوجوب.
فلم قلتم إن جميع الصيغ يجب أن تكون كذلك؟
قلنا: قوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} يفيد تعليل ذلك الذم بمجرد ترك الأمر، لأن قوله: {إِذْ أَمَرْتُكَ} مذكور في معرض التعليل، والمذكور في قوله: {إِذْ أَمَرْتُكَ} هو الأمر من حيث أنه أمر لا كونه أمرًا مخصوصًا في صورة مخصوصة، وإذا كان كذلك، وجب أن يكون ترك الأمر من حيث إنه أمر موجبٌ للذم، وذلك يفيد أن كل أمر فإنه يقتضي الوجوب وهو المطلوب.
المسألة الرابعة:
احتج من زعم أن الأمر يفيد الفور بهذه الآية قال: إنه تعالى ذم إبليس على ترك السجود في الحال، ولو كان الأمر لا يفيد الفور لما استوجب هذا الذم بترك السجود في الحال.
المسألة الخامسة:
اعلم أن قوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ} طلب الداعي الذي دعاه إلى ترك السجود، فحكى تعالى عن إبليس ذكر ذلك الداعي، وهو أنه قال: {أَنَاْ خَيْرٌ مّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} ومعناه: أن إبليس قال إنما لم أسجد لآدم، لأني خير منه، ومن كان خيرًا من غيره فإنه لا يجوز أمر ذلك الأكمل بالسجود لذلك الأدون! ثم بين المقدمة الأولى وهو قوله: {أَنَاْ خَيْرٌ مّنْهُ} بأن قال: {خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} والنار أفضل من الطين والمخلوق من الأفضل أفضل، فوجب كون إبليس خيرًا من آدم.
أما بيان أن النار أفضل من الطين، فلأن النار مشرق علوي لطيف خفيف حار يابس مجاور لجواهر السموات ملاصق لها، والطين مظلم سفلي كثيف ثقيل بارد يابس بعيد عن مجاورة السموات، وأيضًا فالنار قوية التأثير والفعل، والأرض ليس لها إلا القبول والانفعال.
والفعل أشرف من الانفعال، وأيضًا فالنار مناسبة للحرارة الغريزية وهي مادة الحياة، وأما الأرضية والبرد واليبس فهما مناسبان الموت.